الصفحة الأساسية > عربية > أخبار وطنية > مــا العـمــل؟

عبـد المجيــد الشـرفـي:

مــا العـمــل؟

السبت 24 كانون الثاني (يناير) 2009

في حالة الحرب لا مناص من أخذ موقف صريح، والحرب الإسرائيلية على غزة تفرض التنديد بوحشية القادة والجيش في الكيان الصهيوني، والتعاطف مع الضحايا الأبرياء من الفلسطينيين الذين تسلط عليهم آلة حرب جهنمية غير متكافئة بكل المعايير. ولكن التنديد والتعاطف غير كافيين. علينا أن ننظر إلى الواقع وإلى المستقبل نظرة عقلانية لنتبيّن أسباب هذه المأساة وسبل تجاوزها. وعلى هذا الصعيد فإن الحرب على غزة ينبغي أن تذكّرنا باستمرار بأن سببها العميق هو الاحتلال، وأن كل الجهود لا بد أن تنصب على إنهاء هذا الاحتلال. إن الفلسطينيين أدرى بسبل الخلاص منه، وليس لنا أن نعطيهم دروسا لا في المقاومة ولا في التفاوض مع العدو، ولكن علينا واجب إعانتهم بكل الوسائل المتاحة، وخصوصا بعدم التعامل مع أعدائهم ومع مناصري هؤلاء الأعداء من الأمريكان والأوروبيين وكأنّ قضية الاحتلال قد فضّت وانتهت.

فلا أقل في هذا الظرف بالنسبة إلى البلدان العربية التي لإسرائيل سفراء فيها من قطع العلاقات الدبلوماسية مع المحتلين لأرض عربية، المعتدين على شعبها، المحاصرين له، المجوّعين إياه، المقتّلين لأطفاله ونسائه قصد القضاء عليه وتهجيره. ولا أقل بالنسبة إلى البلدان العربية المتوسطية من تعليق عضويتها في "الاتحاد من أجل المتوسط" ـ وهو الذي أعطيت فيه إسرائيل مكانة متميزة ـ حتى ينتهي هذا الاحتلال.

ولا أقل بالنسبة إلى النخب العربية في كل المجالات من إسماع صوت الحق والعدل والتصدي للآلة الدعائية الضخمة التي تقدم المقاومة على أنها معتدية، والتي تغيّب مشاركة كل الفصائل في دحر العدوان، حتى يتسنّى لها الإيهام بأن حماس منظمة إرهابية. ولا أقل من أن نُلقم حجرا لشيوخ السوء الذين يحرّمون التظاهر تعبيرا عن مساندة الإخوان المنكوبين بدعوى أنه يلهي عن ذكر الله.

ولا أقل بالنسبة إلى كافة الشعوب العربية من مقاطعة البضائع غير الضرورية لكل الأنظمة التي تؤيد الاحتلال اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. لا أقل من هذه الأشكال من المساندة الظرفية وأمثالها، وإن كان لزاما علينا أن نواجه في الآن نفسه تحديات من نوع آخر وعلى المدى المتوسط أو البعيد: أن تصبح نظمنا السياسية نظما ديمقراطية ممثلة لشعوبنا، مستمدة مشروعيتها من هذا التمثيل، متعاونة على مصالحنا وبانية لمصيرنا المشترك، غير خاضعة للقوى الأجنبية وغير قابلة للابتزاز، أن نعمل على الارتقاء العلمي والإنتاج المعرفي، أن نطوّر مجتمعاتنا نحو مزيد من الحرية والعدل والمساواة بين الجنسين، أن نعصّر اقتصادنا وأنماط إنتاجنا، أن نتصدى للمقولات الرجعية والمواقف النكوصية، أن نكرّس الحق في التعبير والتنظيم، إلى غير ذلك ممّا يكسبنا الكرامة والمناعة، ويحلّنا مكانة عزيزة بين الأمم، وينقلنا من ردود الأفعال العشوائية إلى التأثير في مجرى الأحداث.