الصفحة الأساسية > عربية > الطريق الثقافي > فتـــاة النـهــر

قصــة قـصيـــرة

فتـــاة النـهــر

الثلاثاء 24 شباط (فبراير) 2009

بقلم هيثم شطورو

  • إنها البداية. لم يكن بمقدور أحد التفوّه بكلمة. أجواء الريبة والحذر تخيّم على المكان. انتبه جيّدا، إنها البداية.
  • ما أنا ونحن بصدد فعله لا يتعدّى كونه طنين الذباب.

ثم انقلب المشهد بمقدار مائة وثمانون درجة. غادة حسناء ممشوقة القوام فيها ترتسم معالم الحور والجنان، ساقاها المرمريتان تشعّان كشمعتي ضوء وصدرها الناهد نافر كهبة مغناطيسية، تحاذيهما بجانب الكونتوار وتطلب قارورة بيرة وتقول للنادل بنبرة حادة:

  • هذه على حساب جيراني. ( وترمقهما بابتسامة من عينيها الزرقاوين).

بمزيد من الإرتهاب والالتذاذ مالا إليها ثم كمن صعق بلمسة كهربائية انفتحت عيناه بنظرة مشعة بالأمل والابتهاج. قال جاسر:

  • أوه، فتاة النهر. أنت جنية النهر. أنت حقيقة أنت لست وهما. ما أروع الحقائق، يا إلهي ما أروع الحقائق...

حين كنت أسبح في النهر، كان يخيّل إليّ بأن هناك فتاة ما جميلة جدّا في الشاطئ تنظر إليّ من بعيد. رأيتها تبعث ابتساماتها ثم قبلاتها ثم بعض الحركات الراقصة السعيدة الولهانة التي ترسم مفاتن جسدها المتماوجة في الهواء فتخلب عقلي وتشعل نيران أشواقي...أشرت إيلها بيدي داعيا إياها للسباحة والعبور للضفة الأخرى لكنها أشارت بيديها رافضة... ما زالت تضحك وترقص وتفتن عقلي. اندهشت في أمري وأمرها. نظرت حولي فلم أجد غيري. خيّل إليّ أنها تنظر إلى شخص مجهول لا أراه. فركت جفني فربما العتب على النظر... أغيب في محيط النظر... أصبح ينتابني شعوران، أحدهما واضح أمامي وهو أنها تشير إليّ ولكني لم أفهم رفضها، والآخر غامض لا تثبته أيّ دلالة حسية وهو أنها تهفو إلى شخص آخر... ما زالت ترقص كحورية من نور. إنها تنتشلني من متعة السباحة براحة بال... تقدّمت شيئا فشيئا نحو الشاطئ وشيئا فشيئا تتوقّف عن الرقص والضحك فأرجع إلى موقعي الأوّل في النهر. الشعور الغامض غدا أكثر ثباتا ووضوحا... إنها تنظر إلى شخص آخر. من هو؟.. لا أدري...

هربت من وجهها الجميل وجسدها الساحر. اتجهت نحو الضفّة التي تقابلها ووقفت هناك أسبح حتى كدت أنسى وجودها فعلا... فجأة أنظر إلى شاطئها فأجدها بنفس الابتسامة والرقصة والقبل الهوائية... أيمكن أن يكون هذا وهما؟... هذه المرأة أصبحت تخيفني... تخيّلتها طيفا، جنّية، شيئا ما هلاميا لا يمكن أن يكون حقيقيّا ولكنه مزعج لراحة البال... مرة أخرى أرهقتني ابتساماتها، رقصاتها...

تقدّمت نحو الشاطئ، إليها سبحت، إلى قوامها الساحر وشعرها الأصفر المنساب وبشرتها البيضاء المشرقة كشمس تمّوز الحارة... كنت أخيرا على عتبة جسدها الوهّاج... إنها واقفة بشموخ لا تبتسم، لا ترقص... قلت برعشة العشق:

  • تخيّلتك طيفا!

قذفتني بضحكة موسيقية عذبة أطربت وجداني وألهبت أشواقي. سألت بلهفة العطشان إلى الماء:

  • بربّك.. إلى من كنت تضحكين وترقصين؟.. إلي؟..
  • لا ( بابتسامة المنتصر)

زادت رعشتي، لهفي، شوقي... ثم قالت:

  • كنت أرى ذاك المقـموع داخلك. كم أحببته. رقصت إليه لأطربه، ضحكت إليه لأنعشه...
  • ماذا؟ ( بدهشة عارمة ونفس جازعة وعقل حائر ووجدان متوقّد).
  • إلى ذاك الآخر الذي تغتاله آلاف المرّات.. مرّة حين تضحك ضحكتك الكاذبة وأخرى مع كل كلمة كاذبة وكل وقفة ومشية كاذبة... عشقت ذلك الأجمل منك بكثير والذي ينظر إليّ من وراء عينيك اللتان لا تكذبان مهما حاولت أن تصبغهما بألوانك الكاذبة... انزع عنك رداءك الأسود القاتم... كن ذاتك... حينها ستحبني بقداسة وسأحبك بقداسة... ثم غابت... كأنها طيف...